Categories
تمغرابيت

الاحتجاجُ على إغلاق المساجد

يعتقدُ المحتجُّونَ، في الليالي الأولى من رمضان، أن من واجبهم الاحتجاجُ على إغلاق المساجد، ضمن الإغلاق الكلي الذي شمل كل المؤسسات المجتمعية. ولا أحد يُنكِرُ حقهم في التعبير عن رأيهم. لكنه رأيٌ، يراه الباحثون في شؤون الدين، سوءَ فهم للدين، ولفسلفته وروحه، وجهلٌ بذلك؛ فصلاةُ التراويحِ “مندوبة نُدباً مُؤكّداً”، لدى الإمام مالك. والمندوبُ هو “ما اقتضى الشرع فعله من غير إلزام”، كما يُعرَّفُ في كتب الفقه الإسلامي. وبتعبير فقهي آخر، هو “ما يثاب فاعله، ولا يأثم تاركه”. وأداؤها في المنازل هو سنة الرسول، كما سأبيِّنُ.

واعتبره فقهاءُ آخرون، وأقصدُ الشافعي، وابنَ حنبل، وأبا حنيفة، سنةً مؤكدةً.

غير أن أداءَها جماعةً ليس سوى “بدعةٍ حسنةٍ”؛ فقد روى البخاري أن رسول الإسلام «صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ في المَسْجِدِ، فَصَلَّى بصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إليهِم رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ، قالَ: قدْ رَأَيْتُ الذي صَنَعْتُمْ، ولَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ علَيْكُم».

وقال ابن شهاب، فيما رواه البخاري، إن “رسول الله مات، والأمر على ذلك، ثم كان الأمر عليه في خلافة أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر، رضي الله عنهما”. فأبو بكر لم يصلِّ التراويح جماعة، ولم يأذن بذلك، سيراً على نهج النبي الذي يروم التخفيف على الناس في أمور دينهم، وعباداتهم.

ولما جاء عهد عمر بن الخطابِ، صلى بالناس، في صدر من خلاقته، وأخبرهم أنها بدعة حسنةٌ، كما تروي كتب السِّيَر والفقه.

ولهذا، أرى -مع الرائين- أن معظمَ المغاربة جاهلون بدينهم، ويتعصبون لأفكار خاطئة، بمنطق ما يؤمنون به.

ويخطئ كثيرٌ منهم أكثرُ عندما يقولون: «إن الدولةَ المغربيةَ تحاربُ الإسلامَ عبر محاربة المساجدِ»، وكأن المغرب دولة “صليبية”.

ويذهبون أبعد من ذلك حين يصفونها بالماسونية، وأن تطبيعها مع إسرائيل له دخل في أمر إغلاق المساجد، وهم بذلك يعبرون عن جهل كبير بما تقوم عليه شرعية الحكم في البلاد، فإمارة المؤمنين مبنية، منذ قرون طويلة، على الدين، فهو أهم أسسِها. ولهذا، فإن المتضرر الأول من إغلاق بيوت الله هو الدولة نفسُها، وهي المُحرَجةُ زيادة في القرارات المُتَّحَذَةِ.

وقد حاولت كثيراً فهمَ دوافع الإغلاق الليلي عامةً. وتساءلتُ كثيراً: أليس تهديداً للأمن الاجتماعي والنفسي إغلاقُ المقاهي والحمامات، والملاعب والقاعات الرياضية، وغيرها؟

فتوصَّلتُ لقراءةٍ، تحتمل ما تحتمله من الخطإِ، وهو أن ذلك القرار سياسيٌّ، أكثر منه قراراً مبنياُ على توصيات صحية. فأظنُّ أن الهدف من إعلان حالة الطوارئ ليلاً، ابتداءً من الثامنة، هو إغلاق الباب أمام الأحزاب السياسية، وبالأخص منها حزب العدالة والتنمية، التي تعتمدُ، فيما تعمل به من استراتيجيات دعائية، على الولائم، والمجالس الدينية، فتستغل الخطاب الدينيَّ ورقةً انتخابيةً، ونحن على مشارف الانتخابات التشريعية، ولا بد من حرمان ذلك الحزب، ومن يشتغل بالآليات ذاتها، من تلك الورقة الوجدانية، وإحراقها.

ورمضانكم/ن كريمُ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *